* صور لنا القرآن الكريم طبيعة الحياة الاجتماعية والدينية التي كان عليها قوم إبراهيم عليه السلام حيث انقسم الناس في عهده إلى ثلاث فئات: فئة تعبد الأصنام والتماثيل الخشبية والحجرية. وفئة تعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر. وفئة تعبد الملوك والحكام.
- وفي وسط هذه البيئة الشركية أخذ إبراهيم يدعو قومه وعلى وجه الخصوص والده، لكن قومه استمروا في طغيانهم وعنادهم بعد أن قدم لهم الأدلة والبراهين على وحدانية الله، قال تعالى: ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ *قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ) الأنبياء.
- وبعد أن أنجاه الله من النار آمن له لوط، قال تعالى: ( فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) العنكبوت.
- قال قتادة: هاجروا جميعاً من كوثى، وهي من سواد الكوفة إلى حرّان ثم الشام. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم أرضهم، وتقذرهم روح الله عز وجل، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل ما سقط منهم ). تفسير ابن كثير.
- بعد فلسطين ذهب إبراهيم إلى مصر. وطوال هذا الوقت وخلال هذه الرحلات كلها، كان يدعو الناس إلى عبادة الله، ويحارب في سبيله، ويخدم الضعفاء والفقراء، ويعدل بين الناس، ويهديهم إلى الحقيقة والحق.
- وكانت سارة زوجة إبراهيم عقيماً لا تلد، وكانت تعلم رغبة إبراهيم وتشوقه لذرية طيبة، فوهبت له خادمتها هاجر ليتزوجها، لعل الله أن يرزقه منها ذرية صالحة، فتزوج إبراهيم هاجر فأنجبت له إسماعيل فسعد به إبراهيم سعادة كبيرة لأنه جاء له بعد شوق شديد وانتظار طويل.
- وأمر الله عز وجل إبراهيم أن يأخذ زوجته هاجر وولدها إسماعيل ويهاجر بهما إلى مكة، فأخذهما إبراهيم إلى هناك، وتوجه إلى الله داعياً قال تعالى: ( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) إبراهيم:37.
- ثم تركهما إبراهيم، وعاد إلى زوجته سارة، وذات يوم جاءت إليه ملائكة الله في صورة بشر، فقام إبراهيم سريعاً فذبح لهم عجلاً سميناً، وشواه ثم وضعه أمامهم ليأكلوا فوجدهم لا يأكلون، لأن الملائكة لا تأكل ولا تشرب، وهنا أخبرت الملائكة إبراهيم بأنهم ليسوا بشراً، وإنما هم ملائكة جاءوا ليوقعوا العذاب على قرية سدوم، لأنهم لم يتبعوا نبيهم لوطاً عليه السلام..
- وبشرت الملائكة إبراهيم عليه السلام بولده إسحاق عليه السلام من سارة، وكانت عجوزاً، فتعجبت حينما سمعت الخبر، فهي امرأة عجوز عقيم وزوجها رجل شيخ كبير، فأخبرتها الملائكة أن هذا هو أمر الله، فقالت الملائكة: ( قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) هود:73.
- وذات مرة رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنه في المنام، فأخبر ابنه إسماعيل بذلك، وكان هذا امتحان من الله لإبراهيم وإسماعيل، فاستجاب إسماعيل لرؤيا أبيه طاعة لله، واستعد كل منهما لتنفيذ أمر الله، ووضع إبراهيم ابنه إسماعيل على وجهه، وأمسك بالسكين ليذبحه، فكان الفرج من الله، فقد نزل جبريل عليه السلام بكبش فداء لإسماعيل، فكانت سنة الذبح والنحر في العيد، وصدق الله إذ يقول: ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) الصافات:107.
- وكان نبي الله إبراهيم يسافر إلى مكة من حين لآخر ليطمئن على هاجر وابنها إسماعيل، وفي إحدى الزيارات طلب إبراهيم من ابنه أن يساعده في رفع قواعد البيت الحرام الذي أمره ربه ببنائه، فوافق إسماعيل، وأخذا ينقلان الحجارة اللازمة لذلك، حتى انتهيا من البناء، وعندها أخذا يدعوان ربهما أن يتقبل منهما فقالا: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة.
- فاستجاب الله لإبراهيم وإسماعيل، وبارك في الكعبة، وجعلها قبلة للمسلمين جميعاً في كل زمان ومكان، ووهب الله تعالى له ابناً آخر من زوجته الأولى سارة والذي أسماه إسحاق، قال تعالى: ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) العنكبوت:27.
* هجرة إبراهيم الخليل عليه السلام:
- قال ياقوت: أن كوثى العراق كوثيان: أحدهما كوثى الطريق والآخر كوثى ربَّى وبها مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام. وبها مولده. وهما من أرض بابل. وبها طُرح إبراهيم في النار...
قال تعالى: ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) آل عمران:67.
- يقال: مكة اسم المدينة وبكة اسم البيت. وقال آخرون: مكة هي بكة والميم بدل من الباء كما قالوا: ماهذا بضربة لازب ولازم. وقال أبو القاسم: هذا الذي ذكره أبو بكر في مكة وفيها أقوال أُخر.
- بكة: من أسماء مكة على المشهور، قيل: سميت بذلك لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها. وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة: مكة، وبكة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، والمأمون، وأم رحم، وأم القرى، وصلاح، والعرش على وزن بدر، والقادس لأنها تطهر من الذنوب، والمقدسة، والناسة بالنون، وبالباء أيضاً والحاطمة، والنسَّاسة، والرأس، وكوثى والبلدة، والبنية، والكعبة.
الكعبة المشرفة قبلة المسلمين.
صورة تاريخية للكعبة المشرفة ويظهر في الصورة صحن البيت الحرام.
صورة فضائية للمسجد الحرام وهو يتوسط مكة المكرمة شرفها الله.