التحرش الجنسي في ليبيا.. شهادات وحقائق
بقلم: غيداء التواتي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لا ريب أن الخوض في الحديث عن التحرش الجنسي في ليبيا، يقودنا للحديث عن الكثير والكثير من الأمور المتعلقة به، ولا شك بأن أغلب حالات التحرش لا يتم الإبلاغ عنها؛ بدعوى الحفاظ على العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع الليبي في مثل هذه الأمور، بل وفي كثير من الأحيان يتستر الأهل عن جريمة التحرش الجنسي خوفا من الفضيحة كما يتوهمون، مما يجعل من هذه القضايا التي تتداول بمراكز الشرطة والمحاكم قليلة ولا تمثل الواقع المعاش، حيث تنأى المرأة بنفسها عن الشكوى نتيجة الخوف من الاضطهاد الاجتماعي.
فبدلا من ذلك تقرر السكوت عن هذه الجريمة، اتقاءً لتشويه اسم عائلتها، وفي أغلب الأحيان لا تبلغ أسرتها بما حدث لها خوفا من حدوث جرائم رد شرف بحقها أو حق من تسبب لها في هذه الجريمة، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يصل الأمر أحيانا كثيرة لسكوتها عن تعدد مرات التحرش الحاصل لها من نفس المجرم، مما يمهد له الطريق لتكرار فعلته، ولا شك إن سكوت النسوة عن مثل هذه الجرائم ساهم بانتشارها كون الجاني على يقين بأنه سوف ينفذ من العقاب في كل مرة.
وتتدرج جرائم التحرش الجنسي من التحرش باللفظ واللمس وغيرها، ولاشك أن القانون الليبي قد أورد مواداً تحدد عقوبة كل جريمة من تلك الجرائم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار وجود هذه الظاهرة في المجتمع الليبي، فهي موجودة وإن أنكرها البعض، في المدارس والشوارع والدوائر الحكومية، ودور الرعاية وغيرها من الأماكن، إلا أن الجهر بوجودها لا يزال في عرف المجتمع الليبي عيبا وفضيحة؛ يجب التستر عليها، حيث طالعتنا في المدة الماضية دراسة قام بها المركز الليبي لحقوق الإنسان الذي يدعي استقلاليته عن أجهزة الدولة، حيث قام بدراسة شملت مدينة طرابلس فقط دون بقية المدن الأخرى، ولم ينشرها إلى الآن حسب ما ورد في رده على ما نشر بموقع اتحاد المدونين الليبيين حول التحرش الجنسي من قبل المدون خالد بشر، والذي اعترض فيه على فترة الدراسة وعدم كفايتها، واستشهاده بدراسة قامت بها الباحثة المصرية، في ليبيا أثناء زيارة لها، مما حذا بالمركز الليبي لحقوق الإنسان إعلان اعتراضه حول ما تقدم به المدون خالد بشر، وكان للمركز رد مطول بخصوص هذا الأمر.
الغريب والمثير هو ما نشرته المدونة لطفية مصباح؛ صاحبة مدونة لطفية مصباح نزيلة إحدى دور الرعاية سابقا على صفحات مدونتها سابقا، بخصوص هذه التجاوزات، حيث وجهت العديد من التساؤلات عبر مدونتها دون أن تجد آذانا صاغية، حيث كان من ضمن أسئلتها: "لماذا نبكى في الظلام ولا يرانا أحد؟", والعديد من الأسئلة الأخرى التي توضح معاناتها طيلة وجودها بدار رعاية أبو هريدة للبنات سابقا... واستطردت لطفية قائلة بمدونتها: "لطيفة المرأة اليتيمة مستعدة للموت من أجل شرفها يا أوغاد ويا مجرمين".[/b]
[b]ولم يتوقف قلم لطفية عند هذا بل دونت تدوينة بعنوان: (الجرائم الأخلاقية فى المؤسسات الاجتماعية للأيتام بالمجتمع الليبي) جاء فيها على لسانها:
"في داخل دار رعاية البنات للأيتام بسيدي المصري في الفترة التي كنت نزيلة ومقيمة فيها; كانت هناك اعتداءات تتم بطريقة مباشرة مثل جريمة الاغتصاب، وطريقة غير مباشرة عبر الاعتداء بتخدير الضحية عن طريق استنشاق مادة مخدرة في أنفها وهي مستغرقة في النوم العميق جداً، ويتم بعد ذلك الاعتداء على شرفها بطريقة بشعة بدون أن ترى أي أحد وفي الصباح، وبعد استيقاظها من النوم؛ تجد نفسها معتدى عليها في حجرتها داخل دار رعاية البنات بسيدي المصري وهى حائض (الطمث)، ولا تستطيع أن تبوح عما حصل لها؛ لأنها لم تر الفاعل أو الفاعلين والمجرمين (والمجرمات) ولا يوجد دليل لإدانتهم."
واستطردت قائلة على صفحات مدونتها قائلة:
"وجدت أن أغلب هذا النوع من الجرائم نتجت من قبل بعض البنات غير الشرعيات داخل المؤسسات الاجتماعية وتحديداً دار رعاية البنات للأيتام بسيدي المصري بطرابلس الغرب، وجاءت نتيجة وجود انحرافات غير أخلاقية وتربوية من قبل بعض المسؤولين، والذين ساهموا بشكل كبير في خلق مثل هذه المشاكل والجرائم, أيضاً بسبب الحرمان العاطفي للأيتام أي الحرمان من الحب والحنان والرعاية الاجتماعية، والحرمان من حياة الأسرة الطبيعية المكونة من الأم والأب والأخوة، أسهمت في ظهور مثل هذه الجرائم الأخلاقية بالمؤسسات الاجتماعية؛ أيضاً جاءت هذه الجرائم من قبل بعض المسؤولين بالضمان الاجتماعي وبعض المسؤولين بالدولة، طامعين في شرف هؤلاء الأيتام حيث يقومون بتربيتنا تربية غير سليمة وصحيحة، بعد ذلك عند الكبر يطمعون في جسدهن وشرفهن بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وسبق وأن ذكرت الطرق التي تتم بها جريمة الاعتداء عليهن, وهناك بعض المسؤولين في الدولة عندما وجدوا ان البنات اليتيمات ليس لهن سند اجتماعي وتربيتهم غير سليمة وصحيحة، استغلوا وضعهن الاجتماعي وأخذوا يمارسون عليهن العنف بقوة، وبطريقة غير مباشرة حتى يتم اغتصابهن وهتك أعراضهن بطريقة غير مباشرة كما قلت في السابق وهن نيام, مما يترتب عنه الضياع والتشرد".
وتحدتث في مكان آخر في المدونة قائلة: "دخلنا دار الرعاية لحمايتنا من الذئاب البشرية"، ولكن مع الآسف وجدت الذئاب نفسها في المكان الذي عاشت فيه منذ كان عمرها يوماً واحداً، وعلى بعض المسؤولين في الضمان الاجتماعي سابقآ وبعض المسؤولين في الدولة أن يتحملوا مسؤولية ما اقترفوه بالكامل حول الجريمة المرتكبة ضدها لأنها تمت بطريقة بشعة وبدون رضاها ولا يصدقها حتى العقل خاصة أنها لم تتوقع بأن تحصل لها مثل هذه الجريمة في نفسها وفي شرفها وفى مكان الذي عاشت فيه منذ أن كانت طفلة، وفى مكان تابع للدولة، بهذه الطريقة القاتلة والذي تؤدى إلى الموت البطيء وجعلها حية وميتة في نفس الوقت، وهنا قمة الجريمة الأخلاقية خاصة بعدما تبين وجود تفوق ومستوى عال من الخبرة الإجرامية، أي بمعنى الذين قاموا بالجريمة لهم خبرة كبيرة جدا في طريقة الاعتداء وهتك العرض المرأة اليتيمة بطريقة غير مباشرة أكثر من الطريقة المباشرة، وفن في التخطيط الإجرامي، وبالذات في طريقة الاعتداء التي تمت وهي مستغرقة في النوم العميق في دارها وحجرتها والباب مغلق بالمفتاح في نفس الوقت، وهى التي قامت بقفل الباب قبل النوم (بالمفتاح والقفل) وتأكدت من إغلاق الباب جيداً.
لكن وبالرغم من إغلاق الباب استطاعوا المجرمين والمجرمات الدخول إلى دارها عن طريق نسخة أخرى من المفاتيح المطبوعة؛ في منتصف الليل وعن طريق تخدير دارها بالكامل لكي تشعر بالنوم والدوخة والتعب عن طريق استنشاق المادة المخدرة في أنفها (في دارها في دار رعاية البنات للأيتام بسيدي المصري بطرابلس الغرب) وذلك بعد النوم العميق.
وفى الصباح وجدت نفسها معتدى عليها، مع أنها لم تفعل لهم أي شيء سوى أنها كانت محافظة على نفسها وعلى شرفها في مكان غير طاهر ونظيف، ويبدو أنها كانت مستهدفة دون أن تشعر؛ وبطريقة غير مباشرة، خاصة أنها لم تتوقع حدوث هذه الجريمة في مكان ترعاه الدولة.
وبالرغم من الجريمة المرتكبة ضدها مازالت حتى الآن محافظة على نفسها، والذين قاموا بتنفيذ هذه الجريمة كانوا قد استغرقوا وقتاً طويلاً لإعداد خطة لاغتصابها بسياسة مرتبة ومبرمجة، فلماذا لم تتم الجريمة وهى في حالة يقظة وواعية لنفسها؟ لماذا لم تتم الجريمة خارج المؤسسة الاجتماعية (دار رعاية البنات للأيتام) وبطريقة مباشرة؟ إذن يوجد هنا تعدد الأشخاص المشاركين بالجريمة، وهنا يفضل قتلها على الحياة بدون شرف وكرامة في المجتمع الليبي.
وتقول: "وماداموا يريدون التخلص من الأيتام بهذه الطريقة لماذا لا يقتلوهم بطريقة نهائية؟ ولماذا لم يقتلوها هي أيضاً؟ أفضل من أن تعيش بدون شرف وكرامة، وخاصة بعدما وجدت أن أغلب المسؤولين لا يخافون من الله سبحانه وتعالى ولا يعنيهم أمر الأيتام في شيء".
ولعل على صفحات مدونة الباحثة اليتيمة لطفية مصباح حمير الكثير والكثير مما لا يسعني ذكره هنا، لكن ما دعاني للاستشهاد بما دونته؛ هو تفجير قضية دار رعاية بنغازي ،من قبل الصحفي محمد الصريط الذي يتعرض لمضايقات بسبب هذه المتابعة للقضية من قبل رجال الأمن والمسؤولين المتورطين بالقضية،وأعقبها الزملاء خالد المهير ونعيم العشيبي بتغطيات مماثلة على صفحات مواقع عربية وليبية،حيث إن قضية التحرش بنزيلات الدار هي حديث الشارع الليبي هذه الأيام، وخصوصا ما تردد من طرد للفتاة (إيمان عبد الرازق) التي فضحت هؤلاء على مرأى ومسمع من الإعلام للشارع ، مما حذا بعائلة سودانية أن تأويها، ومن أين طردت!! من مكان يفترض به أن يكون بر الأمان لها ولزميلاتها اللواتي انصعن للتهديد والتخويف من قبل المسؤولين ورجالات الشرطة وسحبن اعترافاتهن حتى لا يكون مصيرهن الشارع كزميلتهن، ولاشك إن سكوت المنظمات الحقوقية في ليبيا أمر مستهجن فلم نسمع أو نرى أي تحرك لمنظمة ليبية من الداخل بخصوص هذه القضية.
فصمت أجهزة الدولة الرسمية بخصوص ما يحدث للفتاة التي يفترض بأن المجتمع هو وليها، لهو وصمة عار في جبين الدولة الليبية، واعتبره شخصياً تواطؤاً مقصوداً، فهذه الفتاة التي تتعرض الآن لتهديدات من قبل من المتورطين هي ليبية،وبدون ولي وتتولاها عائلة أجنبية، يا للعار في بلاد النفط تأوي عائلة غير ليبية فتاة ليبية، فعلا نحن في بلاد الحقوق والحريات، فعندما تمتهن كرامة المرأة، وتدنس وتستخدم كسلعة وكجارية في عصر انتهى فيه عصر العبودية فعلينا ان ننعى حقوق البشر ،ونعلن عن بداية عصر الرق مرة أخرى، ونستحق لقب بلاد الجواري بامتياز.
حقا يتبادر لذهني تساؤلات خطيرة: فكم من موظف في دور الرعاية يحمل المؤهلات العلمية والأخلاقية والمهنية والسيرة الحسنة ليكون من ضمن طاقم إدارتها؟ لا بل كم من مرة قامت مؤسسات حقوقية ليبية ممن يتشدقون بالدفاع عن حقوق الإنسان من زيارة لهذه الدور والاستماع لهن؟ وكم رصدت ميزانية لتولي أمر الفتيات اللواتي وصلن لسن الزواج،ومحاولة مساعدتهن لتكوين أسرة؟وكم وكم؟
حقا إني اشعر بالغثيان، والاشمئزاز والحنق والغضب مما قرأت وأقرأ ومما سمعته من شهادات لفتيات في دور رعاية خرجوا منها، وكونوا أسر، يجبرون على ممارسة الرذيلة والتحرش بهن، وهتك عرضهن، وتخويفهن أين نحن؟ هل نحن في بلد تحكمه قوانين وعدالة؟ لا اعتقد، نحن في غابة والدليل على ذلك طرد نزيلة للشارع لأنها كشفت ما يحدث هناك.
وكون ظهور مسؤول أو آخر هنا وهناك يفند ويكذب ما جاء في وسائل الإعلام الإلكترونية، يؤكد بأن هؤلاء متورطون أيضا في هذه القضية، فلم يتوانوا على إجبار الفتيات بالاتصال بالمواقع الإخبارية الليبية لتكذيب ما قالته إيمان، لا بل وصلت درجة الدناءة بهم للدخول للمواقع الإخبارية وترك تعليقات بأسماء ضحاياهم، ولا استغرب إن تم إجبارهن على فعل ذلك، وحقا استغربت من مطالبة السيد مسعود العرفي بأدلة على حادثة التحرش الجنسي! عجبا فهل يترك مرتكب التحرش أدلة غير الضحية!! وهي الآن على قيد الحياة وتصرخ طالبة الحماية،وإن كذبت بعض الفتيات ذلك وكما ادعين إنهن لم يتعرضن لتحرش فحالة إيمان وحدها تكفي لفتح ملف بخصوص هذه القضية ،وإني أدعو كل المؤسسات الحقوقية في داخل ليبيا أن تتولى هذه القضية وتحقق بها بعيدا عن أي ضغوطات من قبل المسؤولين بالدولة، وأطالب بالقصاص العادل لكل من تسول له نفسه المساس بشرف من لم يجدن إلا المجتمع ولي له، كما إنني أطالب الجهات الرسمية وغير الرسمية فتح ملف دار رعاية أبوهريدة سابقا وإرسال لجنة تقصي الحقائق والاتصال (بالباحثة لطفية حمير)، والاستعانة بها في هذا الخصوص، وعلى نقابة الصحفيين التي لم تحرك ساكنا حتى هذه اللحظة بخصوص المضايقات التي يتعرض لها الصحفي محمد الصريط، القيام بواجبها في حمايته، وإلا على جميع الصحفيين الأعضاء بهذه النقابة أن ينفضوا من حولها ويؤسسوا تجمعا خاصا بهم يحفظ لهم كرامتهم ويحميهم إذا تعرض أحدهم لمثل هذه التجاوزات التي حدثت مع زميل مهنتهم، وإن لم تتحرك كل الجهات آنفة الذكر فإن هذا يدل على شيء واحد، وهو: أننا نعيش في غابة وعلى الجميع أن يحكم منطق الغابة لانتزاع الحقوق لأنها فعلا لا توهب بل تنتزع...
غيداء التواتي
منقول