لوكربي دجاجة تبيض ذهبا أم سيف ديموقليس؟
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بعد قرابة واحد وعشرين عاما من حادثة لوكربي، وبعد أكثر من ثماني سنوات من إدانة عبد الباسط المقرحي، باعتباره المدان الوحيد في القضية، قررت الشرطة الاسكتلندية مؤخرا إعادة التحقيق في القضية، وذكرت صحيفة صندي تلغراف أن السلطات الاسكتلندية أمرت سرا بإعادة فحص جميع الأدلة، بعد أن تنازل المقرحي عن حقه في الاستئناف، مقابل إطلاق سراحه لأسباب إنسانية، نظرا لأصابته بسرطان البروستات في مراحله الأخيرة.
ثمانية ليبيين مشتبه بهم
وكان مكتب الادعاء البريطاني قد بعث برسالة إلى ذوي بعض ضحايا طائرة لوكربي، يؤكد فيها أن القضية لا تزال مفتوحة، وجاء في الرسالة "الرجاء التأكد من أن هذا ليس مجرد طمأنة شفهية غير واقعية تشير إلى أن الملف ما يزال مفتوحاً." وذلك بعد أن تقدمت عائلات الضحايا بعريضة إلى مقر رئاسة الوزراء في لندن، يطالبون فيها مراجعة ملفات القضية، ويبدو أن العائلات تخشى من أن تتبدد الحقيقة مع وفاة المقرحي، وأنهم يصرون على معرفة هوية من قتل أحبابهم. وفقا لتصريحات الشرطة الاسكتلندية فإن التحقيقات الجديدة تركز على احتمال وجود شركاء للمقرحي في الجريمة، وأن المقرحي لم يعمل بمفرده، وإنما بتأييد من رؤساءه في المخابرات الليبية، وهو ما أكده أيضا ستيوارت هندرسون، الذي أشرف على التحقيقات الخاصة بحادثة لوكربي من عام 1988 إلى عام 1992، والذي صرح لصحيفة سكوتسمان قائلا إن هناك ثمانية أشخاص آخرين يشتبه في تورطهم في القضية، وجميعهم يقيمون في ليبيا، ولم يتم استجوابهم في السابق لتمتعهم بالحصانة، ولرفض السلطات الليبية التحقيق معهم، وأكد هندرسون للصحيفة قائلا "لم نقل أبدا إن عبد الباسط المقرحي من نسعى وراءه، ولكننا وراء رئيسه". وهو ما يعني أن التحقيقات لن تشمل جهات أخرى سبق وأن اشتبه فيها ضمنيا في القضية، مثل إيران، سوريا، وبعض المنظمات الفلسطينية واللبنانية، بالرغم من أنه تم تسريب وثائق على الانترنت في مطلع الشهر الجاري، وهي جزء من ملف الاستئناف الذي كان المقرحي ينوي تقديمه للمحكمة، تؤكد أن التاجر المالطي توني غوشي، الشاهد الرئيسي ضده، قد تحصل على مليوني دولار من الولايات المتحدة، مقابل شهادته ضد المقرحي، كما استلم شقيقه بول غوشي مليونا آخر، وكانت اللجنة الاسكتلندية الخاصة بمراجعة القضايا الجنائية أول من كشف عن هذه المكافآت السرية، ضمن الوثائق التي قدمتها لمحكمة الاستئناف عام 2007، والتي تؤكد من خلالها أن محاكمة المقرحي شابتها خروقات عدلية.
ضغط الرأي العام
في حديث لإذاعة هولندا العالمية، يرى الإعلامي الليبي محمود شمام أن هناك مسارين للتحقيق الجديد: "إما أن يتجه التحقيق إلى أطراف أخرى غير ليبية، كأن يتم البحث عن علاقة ما لإيران، أو لسورية، أو للجبهة الشعبية القيادة العامة، وهذا ما يطالب به بعض أهالي الضحايا، وإذا أعيد اتهام ليبيا فلن يتم الاكتفاء بالمقرحي، وإنما سيتم محاولة الزج بأطراف ليبية أخرى، سواء من جهاز الاستخبارات، أو من القيادة السياسية الليبية". ولكن شمام يرى أيضا أن الاتهام لن يصل إلى قمة القيادة السياسية. ولا يرى محمود شمام أن هناك مصادفة في تزامن إعادة التحقيق في لوكربي، مع احتمال توجيه الاتهام في مقتل الشرطية البريطانية ايفون فلتشر لاثنين من أبرز أعضاء الحكومة واللجان الثورية، بالإضافة إلى مطالبة ليبيا تعويض ضحايا الجيش الجمهوري الايرلندي، ويضيف قائلا: "من المهم أن نفهم الآلية التي تسير بها الأمور في المجتمعات الديمقراطية، حيث تميل الحكومات لعقد صفقات سياسية مقابل مكاسب اقتصادية وغيرها، وهو ميل موجود في الديمقراطيات الغربية، ولكن أيضا توجد في هذه الديمقراطيات قوة ضغط الرأي العام، وخاصة إذا اكتشف أن هناك تلاعبا، أو بعض الصفقات التي تجري، وبالتالي فإن إعادة فتح مقتل الشرطية، وتعويض ضحايا الجيش الجمهوري الايرلندي، تأتي كلها أمام ضغط الرأي العام البريطاني الذي اكتشف أن حكومته عقدت صفقات يعتبرها غير شريفة مع النظام في ليبيا، وما نراه الآن هو نتيجة لضغط الرأي العام، وليس ناتجا عن توبة الحكومة البريطانية، التي عقدت صفقات على حساب قضايا مبدئية".
تناقضات
حتى الآن تصر الشرطة التي أجرت 23 مقابلة مع غوشي، وفقا لصحيفة الغارديان والذي قدم لها أدلة متناقضة، إن الأموال التي استلمها غوشي ليست لشراء شهادته، وإنما لتمكينه من مغادرة مالطا، وبدء حياة جديدة في مكان آخر (استراليا). إلا أن هذا الادعاء من الصعب صموده أمام المحكمة، التي ستتعمق شكوكها بشأن شهادة غوشي، خاصة وأن شهادته أمام محكمة كامب زيست بهولندا شابها شيء من التناقضات، عندما تذكر أن المقرحي اشترى منه الثياب التي وجدت في الحقيبة البنية، التي خبأت فيها القنبلة، وذكر غوشي أن السماء كانت تمطر عندما دخل المقرحي إلى متجره، وعندما راجعت هيئة الدفاع نشرات الأرصاد الجوية المالطية تبين لها أنها لم تمطر في ذلك اليوم، كما أفاد غوشي أن مصابيح أعياد الميلاد لم تكن مضاءة، عندما دخل المقرحي إلى متجره يوم 7 ديسمبر عام 1988، بينما قال المفوض السامي البريطاني في مالطا مايكل روفالو، الذي كان النائب البرلماني عن تلك الناحية، للجنة الاسكتلندية إن المصابيح أضيئت في 6 كانون الأول ديسمبر.
محاولة للالتفاف
في عام 2007 اعترف المهندس السويسري، أولريخ لمبرت، لشرطة زيوريخ بأنه كذب في شهادته أمام المحكمة الاسكتلندية في كامب زيست بهولندا، بخصوص الصواعق التي استخدمت في تفجير القنبلة، والتي زعم رئيسه، أدوين بولير، رئيس شركة ميبو السويسرية، أنه باع منها لليبيا عشرين صاعقا، ثم تبين أنه باع في نفس الفترة إلى جهاز مخابرات المانيا الشرقية "ستازي" نفس الصواعق، وكانت ستازي تزود عددا من المنظمات الإرهابية بهذه الصواعق. هل الاستقبال الحافل للمقرحي في طرابلس، والذي أغضب كلا من بريطانيا والولايات المتحدة، هو الدافع الحقيقي من وراء فتح التحقيق؟ أم لأن جهات في البلدين لا ترغب في رؤية العقيد القذافي في السلطة، بعد أن تخطى عامه الأربعين وهو في قمتها؟ وتفضل أن ترى خليفته وابنه سيف الإسلام مكانه؟ هو الذي ساهم في إعادة فتح القضية، خاصة وأن قضية مقتل الشرطية البريطانية، أيفون فلاتشر قد أعيد فتحها، وهي التي أصابها عيار ناري انطلق من داخل السفارة الليبية في لندن عام 1984، ويحتمل توجيه الاتهام إلى الوزير السابق عبد القادر البغدادي، والوزير الحالي معتوق محمد معتوق، وبعد مرور ربع قرن من مقتل الشرطية، عبر العقيد القذافي مؤخر عن أسفه لمقتل أيفون فلتشر، خلال لقاء أجرته معه قناة سكاي نيوز. وفي هذا الصدد يرى محمود شمام إن آسف القذافي يعني أنه يدرك "أن هناك تداعيات كبيرة وربما تكون خطيرة، فهو سياسي ذكي ولا يفوته إدراك مثل هذه الأشياء، وربما أسفه عمل استباقي منه في محاولة للتلائم مع الرأي العام البريطاني، ومحاولة للالتفاف لاشك فيها".
تقرير: عمر الكدي (اذاعة هولندا العالمية - 27-10-2009)
نقلا عن (اذاعة هولندا العالمية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بعد قرابة واحد وعشرين عاما من حادثة لوكربي، وبعد أكثر من ثماني سنوات من إدانة عبد الباسط المقرحي، باعتباره المدان الوحيد في القضية، قررت الشرطة الاسكتلندية مؤخرا إعادة التحقيق في القضية، وذكرت صحيفة صندي تلغراف أن السلطات الاسكتلندية أمرت سرا بإعادة فحص جميع الأدلة، بعد أن تنازل المقرحي عن حقه في الاستئناف، مقابل إطلاق سراحه لأسباب إنسانية، نظرا لأصابته بسرطان البروستات في مراحله الأخيرة.
ثمانية ليبيين مشتبه بهم
وكان مكتب الادعاء البريطاني قد بعث برسالة إلى ذوي بعض ضحايا طائرة لوكربي، يؤكد فيها أن القضية لا تزال مفتوحة، وجاء في الرسالة "الرجاء التأكد من أن هذا ليس مجرد طمأنة شفهية غير واقعية تشير إلى أن الملف ما يزال مفتوحاً." وذلك بعد أن تقدمت عائلات الضحايا بعريضة إلى مقر رئاسة الوزراء في لندن، يطالبون فيها مراجعة ملفات القضية، ويبدو أن العائلات تخشى من أن تتبدد الحقيقة مع وفاة المقرحي، وأنهم يصرون على معرفة هوية من قتل أحبابهم. وفقا لتصريحات الشرطة الاسكتلندية فإن التحقيقات الجديدة تركز على احتمال وجود شركاء للمقرحي في الجريمة، وأن المقرحي لم يعمل بمفرده، وإنما بتأييد من رؤساءه في المخابرات الليبية، وهو ما أكده أيضا ستيوارت هندرسون، الذي أشرف على التحقيقات الخاصة بحادثة لوكربي من عام 1988 إلى عام 1992، والذي صرح لصحيفة سكوتسمان قائلا إن هناك ثمانية أشخاص آخرين يشتبه في تورطهم في القضية، وجميعهم يقيمون في ليبيا، ولم يتم استجوابهم في السابق لتمتعهم بالحصانة، ولرفض السلطات الليبية التحقيق معهم، وأكد هندرسون للصحيفة قائلا "لم نقل أبدا إن عبد الباسط المقرحي من نسعى وراءه، ولكننا وراء رئيسه". وهو ما يعني أن التحقيقات لن تشمل جهات أخرى سبق وأن اشتبه فيها ضمنيا في القضية، مثل إيران، سوريا، وبعض المنظمات الفلسطينية واللبنانية، بالرغم من أنه تم تسريب وثائق على الانترنت في مطلع الشهر الجاري، وهي جزء من ملف الاستئناف الذي كان المقرحي ينوي تقديمه للمحكمة، تؤكد أن التاجر المالطي توني غوشي، الشاهد الرئيسي ضده، قد تحصل على مليوني دولار من الولايات المتحدة، مقابل شهادته ضد المقرحي، كما استلم شقيقه بول غوشي مليونا آخر، وكانت اللجنة الاسكتلندية الخاصة بمراجعة القضايا الجنائية أول من كشف عن هذه المكافآت السرية، ضمن الوثائق التي قدمتها لمحكمة الاستئناف عام 2007، والتي تؤكد من خلالها أن محاكمة المقرحي شابتها خروقات عدلية.
ضغط الرأي العام
في حديث لإذاعة هولندا العالمية، يرى الإعلامي الليبي محمود شمام أن هناك مسارين للتحقيق الجديد: "إما أن يتجه التحقيق إلى أطراف أخرى غير ليبية، كأن يتم البحث عن علاقة ما لإيران، أو لسورية، أو للجبهة الشعبية القيادة العامة، وهذا ما يطالب به بعض أهالي الضحايا، وإذا أعيد اتهام ليبيا فلن يتم الاكتفاء بالمقرحي، وإنما سيتم محاولة الزج بأطراف ليبية أخرى، سواء من جهاز الاستخبارات، أو من القيادة السياسية الليبية". ولكن شمام يرى أيضا أن الاتهام لن يصل إلى قمة القيادة السياسية. ولا يرى محمود شمام أن هناك مصادفة في تزامن إعادة التحقيق في لوكربي، مع احتمال توجيه الاتهام في مقتل الشرطية البريطانية ايفون فلتشر لاثنين من أبرز أعضاء الحكومة واللجان الثورية، بالإضافة إلى مطالبة ليبيا تعويض ضحايا الجيش الجمهوري الايرلندي، ويضيف قائلا: "من المهم أن نفهم الآلية التي تسير بها الأمور في المجتمعات الديمقراطية، حيث تميل الحكومات لعقد صفقات سياسية مقابل مكاسب اقتصادية وغيرها، وهو ميل موجود في الديمقراطيات الغربية، ولكن أيضا توجد في هذه الديمقراطيات قوة ضغط الرأي العام، وخاصة إذا اكتشف أن هناك تلاعبا، أو بعض الصفقات التي تجري، وبالتالي فإن إعادة فتح مقتل الشرطية، وتعويض ضحايا الجيش الجمهوري الايرلندي، تأتي كلها أمام ضغط الرأي العام البريطاني الذي اكتشف أن حكومته عقدت صفقات يعتبرها غير شريفة مع النظام في ليبيا، وما نراه الآن هو نتيجة لضغط الرأي العام، وليس ناتجا عن توبة الحكومة البريطانية، التي عقدت صفقات على حساب قضايا مبدئية".
تناقضات
حتى الآن تصر الشرطة التي أجرت 23 مقابلة مع غوشي، وفقا لصحيفة الغارديان والذي قدم لها أدلة متناقضة، إن الأموال التي استلمها غوشي ليست لشراء شهادته، وإنما لتمكينه من مغادرة مالطا، وبدء حياة جديدة في مكان آخر (استراليا). إلا أن هذا الادعاء من الصعب صموده أمام المحكمة، التي ستتعمق شكوكها بشأن شهادة غوشي، خاصة وأن شهادته أمام محكمة كامب زيست بهولندا شابها شيء من التناقضات، عندما تذكر أن المقرحي اشترى منه الثياب التي وجدت في الحقيبة البنية، التي خبأت فيها القنبلة، وذكر غوشي أن السماء كانت تمطر عندما دخل المقرحي إلى متجره، وعندما راجعت هيئة الدفاع نشرات الأرصاد الجوية المالطية تبين لها أنها لم تمطر في ذلك اليوم، كما أفاد غوشي أن مصابيح أعياد الميلاد لم تكن مضاءة، عندما دخل المقرحي إلى متجره يوم 7 ديسمبر عام 1988، بينما قال المفوض السامي البريطاني في مالطا مايكل روفالو، الذي كان النائب البرلماني عن تلك الناحية، للجنة الاسكتلندية إن المصابيح أضيئت في 6 كانون الأول ديسمبر.
محاولة للالتفاف
في عام 2007 اعترف المهندس السويسري، أولريخ لمبرت، لشرطة زيوريخ بأنه كذب في شهادته أمام المحكمة الاسكتلندية في كامب زيست بهولندا، بخصوص الصواعق التي استخدمت في تفجير القنبلة، والتي زعم رئيسه، أدوين بولير، رئيس شركة ميبو السويسرية، أنه باع منها لليبيا عشرين صاعقا، ثم تبين أنه باع في نفس الفترة إلى جهاز مخابرات المانيا الشرقية "ستازي" نفس الصواعق، وكانت ستازي تزود عددا من المنظمات الإرهابية بهذه الصواعق. هل الاستقبال الحافل للمقرحي في طرابلس، والذي أغضب كلا من بريطانيا والولايات المتحدة، هو الدافع الحقيقي من وراء فتح التحقيق؟ أم لأن جهات في البلدين لا ترغب في رؤية العقيد القذافي في السلطة، بعد أن تخطى عامه الأربعين وهو في قمتها؟ وتفضل أن ترى خليفته وابنه سيف الإسلام مكانه؟ هو الذي ساهم في إعادة فتح القضية، خاصة وأن قضية مقتل الشرطية البريطانية، أيفون فلاتشر قد أعيد فتحها، وهي التي أصابها عيار ناري انطلق من داخل السفارة الليبية في لندن عام 1984، ويحتمل توجيه الاتهام إلى الوزير السابق عبد القادر البغدادي، والوزير الحالي معتوق محمد معتوق، وبعد مرور ربع قرن من مقتل الشرطية، عبر العقيد القذافي مؤخر عن أسفه لمقتل أيفون فلتشر، خلال لقاء أجرته معه قناة سكاي نيوز. وفي هذا الصدد يرى محمود شمام إن آسف القذافي يعني أنه يدرك "أن هناك تداعيات كبيرة وربما تكون خطيرة، فهو سياسي ذكي ولا يفوته إدراك مثل هذه الأشياء، وربما أسفه عمل استباقي منه في محاولة للتلائم مع الرأي العام البريطاني، ومحاولة للالتفاف لاشك فيها".
تقرير: عمر الكدي (اذاعة هولندا العالمية - 27-10-2009)
نقلا عن (اذاعة هولندا العالمية