أبطال ليبيا



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أبطال ليبيا

أبطال ليبيا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أبطال ليبيا

أحرار ليبيا


    شهادة الوفاة (كتيب الجمعية

    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 303
    نقاط : 900
    تاريخ التسجيل : 10/04/2009
    العمر : 55

    شهادة الوفاة (كتيب الجمعية Empty شهادة الوفاة (كتيب الجمعية

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين أبريل 27, 2009 9:56 pm

    فى يوم 22 من شهر إبريل 2009 الساعة العاشرة صباحاً فى مدينة بنغازى المفجوعة بفقد خيرة شبابها، والمليئة بخيام مئاتم أولادها نظرت خالتى المذهولة من حولها لتجد فى نظرة خيمة منصوبة، ولتسمع أنين أمهات وعبرات الأخوات، ولترى من حولها وجوم وشحوب وجوه الآباء والأخوة الذين لم يحاولوا منع جريان دموعهم لتغسل بها لحاهم، فهم لم يستطيعوا أن يمتثلوا بقول المثل الدارج (أعزوم الرجال إشداد) ففى هذه الكارثة المفجعة يتساوى الجميع من ذكر وأنثى، والنكبة أكبر من أن تتحملها قلوب بشرية تنبض بالحياة ناهيك عن والد مشتاق وأخً يحمل لأخيه مشاعر الأخوة الصادقة.





    كأن خالتى المسكينة إستيقظت فى غفلة حين تذكر أنها هى أيضاً لديها رجلان قد فجعت بهم ولم تسمع عنهم شيئاً منذ أربعة عشر عاماً ، وهما كل شئ فى حياتها، فهى ترملت منذ كانوا صغاراً، كبروا أمام نظريها، وعاشوا معاً قسوة الحياة وذاقوا مرارتها وقليلاً من حلاوتها التى سرعان ماذابت وتلاشت أمام سيل الحرمان والفراق.





    جاءت لتقول لأمى التى تورمت عيناها من كثرة نحيبها على شباب جيرانها وتعبت قدماها من كثرة التنقل من خيمة لأخرى لتؤدى واجب العزاء مع جاراتها وغيرهن ربما لم تعرفهن قط إلا أن النكبة جعلت من كل الأمهات فى دائرة واحدة.





    قالت لها يجب على الذهاب الى مركز صكوك الموت لأعرف هل لدى صك فيه أسماء أولادى، لفت على جسدها المنهك (الجرد) الذى طالما رافقها فى دروب بحثها عن مصير أولادها المجهول والذى لو نطق لقص علينا القصص حول معاناتها وهى تشترى أغراض لأولادها وتجمع كل شئ من طعام وألبسة وغيرها وتشد الرحال الى طرابلس الغرب لتلقى بحمولتها أمام دائرة السجن الكبير ليحدوها الأمل بقولهم لها: ضعيها هنا ياحاجة سوف نوصلها لأولادك – وكل هذا مرفق بإبتسامة صفراء باهتة غير ذات معنى، خاوية من مشاعر شفقة على هذه السيدة الكبيرة التى تتحمل مشاق الرحلة فقط من أجل أمل بعيد، ولكن هذه الإبتسامة برغم زيفها كانت تعنى لخالتى شيئاً كبيراً، تعنى أن أولادها على قيد الحياة يصلهم ما ترسله إليهم ، ولهذا أقنعت زينب الصغيرة إبنة إبنها بأن تكتب رسالة لوالدها (على المصراتى) تخبره فيها بأشواقها وأنها مازالت بإنتظار عودته ، كل هذا وغيره لو نطق الجرد لأخبرنا المزيد.





    وقفت خالتى وهى تنظر لذلك الكائن الذى تكوم على أوراق عدة تنظر إليه وقلبها ينتفض مع كل تحريك ذلك الكائن لكومة الأوراق وهو يتأفف من كثرتها وشدة حر مكتبه البائس، ثم نطق بعد طول إنتظار: إسمعى ياحاجة قلت لى إن إسم إبنك ونيس المصراتى، قالت خالتى بسرعة نعم نعم ياوليدى هذا إسمه، أجاب وهو يزم شفتيه: لحظة لحظة، أه نعم وجدته، هذا كرت أعنى شهادة وفاة إبنك خذيها ياحاجة.





    أمسكت خالتى بيدها المرتعشة بتلك الورقة الملفق فيها تاريخ مجهول وأسباب لوفاة مجهولة، لاتدرى من هول صدمتها ما تفعل، ثم إستدرك قائلاً كأنه يحاورها فى معاملة إدارية ونسى أنه يسلم عجوزمرتعشة مهينة الجناح ورقة موت فلذة كبدها، ورقة إغتيال الأمل الذى راودها طويلابلقياهم بعد طول فراق، قال لها: لديك إبناً آخر لديه حافلة متزوج ولديه أولاد ؟، هزت رأسها بنعم فالكلمات توقفت ولسانها ربط من عقاله، ثم إستدرك طيب مع السلامة.





    جرت خطواتها ثقيلة ودموعها تنهمر وبيدها المرتجفة تحمل نعى إبنها الذى خلف وراءه إبنتان وولد ليتجرعوا مرارة اليتم المرير طول حياتهم ، والذين حرموا من قول بابا الى الأبد ، وتقاطر الأهل لمواساتها وتعالت آهات الأقارب ، ثم بعد ذلك قالت مع كل حزنها لم يعطونى ورقة (على) إذا هو على قيد الحياة ، ربى يعوضنى فيه إنشاء الله ، هذا كله قبل صلاة الظهر ، ثم بعد العصر بعثوا لها بورقة إبنها الآخر !! ربما قد نسوا أن يخرجوها من بين كومة الأوراق، أو ربما لإنسانيتهم لم يريدوا أن يفجعوا قلبها المفطور بإبنيها معاً فرأوا من الحكمة الإخبار على فترات، أقصد توزيع كروتهم على مراحل، ولكن الحقيقة الواقعة أنهم لايكترثون ، فالموت لديهم وإخراج شهادة له ثم تسليمها لذوى الموتى عمل روتينى يشبه الى حد كبير (كروت تموين الجمعية التعاونية).





    هذه قصة إبلاغ خالتى خديجة أوردها بحذافيرها عسى أن يوماً ما تكون شهادة على العصر.





    أم ملاك





    منقول عن ليبيا المستقبل

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 11:39 pm